من وحي السُنّة

من وحي السُنّة: قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )       ***       قال صلى الله عليه وسلم : (والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم )       ***       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.) .

13 ديسمبر، 2009

بلاش تزمت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

كلام بنسمعه كتيير أوي من الناس وهو بلاش تزمت والدين يسر و يسروا ولا تعسروا ومتحبكهاش ومتبقاش حنبلي،... إلى آخره من الكلام ده وما شابه.

وعشان كدة أنا أنهاردة هتكلم عن الموضوع ده من خلال عدة نقاط.

النقطة الأولى: (والفكرة دي أساس التدوينة) هل فعلاً الدين يسر؟

طبعاً، بالفعل وأكيد وبدون شك أن الدين الإسلامي دين يسر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: " يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا " [رواه البخاري].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم بها لله " [رواه البخاري].
فالدين الإسلامي دين يسر وسماحة، وكل ما جاء فيه من أوامر وتشريع إنما هو لمصلحة الإنسان وصلاحه وتقويم حياته، ومع ذلك فإن الله لم يفرض علينا إلا ما تطيقه نفسنا التي هو أعلم بها، فهو سبحانه أعلم بعباده وما يريد إلا أن ييسر عليهم أمر دينهم:
قال الله تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [185-البقرة]

طيب، أيه بقى المشكلة؟ بما أننا نتفق جميعاً على أن الدين يسر وليس فيه تشديد على الناس بما لا يطيقون فممكن نخلص كلام على كدة وكله تمام...

بس المشكلة مش في كده، المشكلة الناس إزاي بتفهم يسر الدين؟

قبل ما أتكلم هضرب مثال جاء على بالي لتوضيح الفكرة:
نفرض إن فيه قصر معين عايز تروح عنده بالعربية، وأمامك طرق كتير، وقيل لك أن هذا الطريق المحدد هو الوحيد إللي هيوصلك للقصر، ولكن لازم تلتزم بقواعد المرور الخاصة بهذا الطريق فلا تسير في الإتجاه المعاكس واستخدم الإشارات عند الحاجة... إلى آخره
دخلت الطريق ومن أول كام متر كسرت أشارة مرور، راح موقفك وشدك مخالفة... ممم
وبعدين كملت وشوية ورحت داخل في الحارة المعاكسة عشان تعدي إللي قدامك، راح موقفك وشدك مخالفة... أففف
وبعدين لاقيت الطريق فاضي رحت شادد على السادس وجاوزت السرعة بكتييير، راح موقفك وشدك مخالفة... يوووه
زهقت من كتر المخالفات رحت واخد أول دوران ورجعت ودخلت من طريق تاني، واسع وبحبوح وسهل كدة، مفيش أشارات مرور ولا أي حاجة تمشي تخبط وتبرتع براحتك على الآخر ففضلت ماشي فيه وأنت آخر تمام ومزاجك عنب، بس الكارثة إنك في آخر الطريق... لم تجد القصر !!!

يا ترى فكرة المثال وصلت؟؟

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم-

هذا الطريق هو الدين الإسلامي الصحيح كما وضحه لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – والإلتزام به هو السبيل الوحيد لرضا الله سبحانه والفوز بالجنة ( الوصول للقصر)، ولكن هذا الدين الحنيف وضع لنا بعض التشريعات من الأوامر والنواهي وخلافه وأمرنا الالتزام بها ( قواعد المرور ) وهي في الواقع لو تأملتها في حقيقتها لوجدتها لسلامتك والحفاظ عليك وعلى المجتمع ككل، فأوامر الدين وضوابطه لتقويم سلوك المرء ليس لمنعه الخير أو كبته كما يقول البعض.

ولكن نسبة كبيرة من الناس مش عايزة كدة، عايزة تعمل إللي على مزاجها من غير أي قيود، وعشان كدة تلاقيهم إما ماشيين في الطريق الصح بس دائماً ما يقعون في المخالفات وإما يمشوا في غير الطريق الصحيح لأنه أيسر من الطريق الصحيح ( من وجهة نظرهم ) فلا يصلون في النهاية للغاية المنشودة.

نرجع تاني لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو " إن الدين يسر،..." ، ونركز أوي إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال إن الدين يسر، إذن يسر الدين في الدين نفسه وليس في السماح بمخالفة الدين، يسر الدين في الإلتزام بأوامره واجتناب نواهيه، يسر الدين فيما شرعه الله لنا من رخص كثيرة تيسر علينا عند الضيق.

يعني مثلاً قصر الصلاة الرباعية لركعتين عند السفر أليس هذا من اليسر؟ المسح على الخفين في الوضوء أليس من اليسر؟ التيمم للصلاة عند فقد الماء أليس هذا من اليسر؟ تخفيف الصلاة بدلاً من 50 صلاة في اليوم والليلة إلى 5 صلوات فقط ومع ذلك لهم نفس أجر الخمسين.
كما أنه يكفي معرفة يسر هذا الدين ووسطيته لما تشوف الشرائع الأخرى، ويكفي مثال واحد عندما خالف اليهود أوامر ربهم (كالعادة) وعبدوا العجل، فكيف كانت كفارة هذا؟
( وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوَاْ إِلَىَ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوَاْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) [54-البقرة].
كانت توبتهم بأن يقتلوا أنفسهم، كانوا كثيراً ما يشددوا على أنفسهم ويتنطعوا فيشدد الله عليهم.

نرجع تاني ولكن المرة دي لقول السيدة عائشة – رضي الله عنها – " ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، ..."، فنلاقي إن اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم – للأيسر يترتب على عدم وجود إثم فيه وإلا فإنه - صلى الله عليه وسلم - أبعد خلق الله عن الإثم.

لكن المشكلة ذي ما قلت هي في الفهم المغلوط عند كثير من الناس، يريد مخالفة الدين وفعل المحرمات ويقول الدين يسر.
يعني مثلاً ماتجيش تصلي فرد وتسيب فرد وتقول الدين يسر
ما تفطرش في رمضان من غير عذر وتقول الدين يسر
ما تاخدش رشوة وتقول أصلي محتاج والدين يسر
ما تروحش تتعامل بالربا وتقول الدين يسر
ما تسيبش بنتك ولا مراتك متبرجة وتقول الدين يسر
إلى آخره من المخالفات كبيرة أو صغيرة ومش عايز أفرد تفاصيل فيها لأن كلنا عارفينها كويس.

بيقى لازم نفهم إن الإلتزام بالسنة ليس تزمت ولا تطرف
الحرص على اجتناب ما نهى الله عنه بالدليل الشرعي السليم ليس تشدد

النقطة الثانية: طيب يعني أيه بقى تزمت؟؟

التزمت والتشدد المذموم هو في الأساس من الغلو في الدين، فيحدث هذا من مغالاة الناس في أوامر الدين بدون دليل لا من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من السلف، فيحدث هذا التشدد الذي يوقع في تحريم ما أحل الله والتضييق على المسلمين بما لم يشرعه الله ولا يرضى به.
ومن أهم أسباب الوقوع في ذلك هو الجهل وعدم الفهم الصحيح عن الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – والتنطع في الدين بغير علم.

النقطة الثالثة: هل هناك من يتزمت ويتشدد في الدين تشدد مذموم؟

للأسف الشديد يوجد بالفعل من يتشدد ويتزمت بغير دليل ولا حجة ولا برهان، ولا يمكن لأحد أن ينكر وقوع ذلك في مجتمعاتنا، ولكن والحمد لله فئة قليلة نسأل الله أن يفهمنا ديننا الفهم السليم الصحيح ... آآآميين
وذي ما قلت في النقطة إللي قبلها إن ده نوع من أنواع الغلو مع الجهل، وطبعاً الغلو ده في منه درجات، يعني مثلاً من أكبر الأمثلة على هذا الخوارج الذين يكفرون المسلم بارتكاب الصغائر من الذنوب بجهل شديد وبشع، فأصبحوا يكفرون كل من يرتكب أي ذنب مهما صغر، وبقت عادة عندهم مايقدروش يقعدوا من غير ما يكفروا حد، حتى لو مفيش حد ممكن يكفروا نفسهم.
وسمعنا حديثاً عمن يحرم أشياء غريبة كمن يحرم بناء أكثر من طابق في البيوت لأن هذا من التطاول في البنيان! أو يحرم الباذنجان لأنه يزيد القدرة الجنسية!!!
فمثل هؤلاء مازال هناك القليل منهم، كما أنه هناك من يعتقد بفكر الخوارج حتى الآن ولكنهم كما قلت قلة قليلة والحمد لله.

النقطة الرابعة: هل التشدد دائماً بأفعال ليست من الدين أو بالبدع؟

لا، فكما قلت التشدد والتزمت يكون بالمغالاة في الشيء، فأحياناً يكون الشيء من صميم الدين وعليه الدليل والبرهان ولكن الواحد ياخد الموضوع قفش مرة واحدة فيشدد على نفسه في غير مصلحة، وغالباً هو بالتشديد على النفس، وغالباً يكون مع من يلتزم بالدين بعد فترة كبيرة من الفساد وعدم قربه ممن يعلمه عن بداية الالتزام، فتجد منه تشديد على النفس بما لا تطيق من طاعات وسنن هي بالفعل سنن صحيحة وثابتة ولكن تحتاج إلى التدرج فيها، فيصرفه التعمق فيها مرة واحدة عن فعل واجبات وأوامر أو تؤدي به للسقوط مرة أخرى لعدم تحمله ما هو فيه ويظن أن هذا هو الدين فهو لا يقدر على الالتزام به، كالذي يشدد على نفسه في قيام الليل كله من أول يوم ألتزم فيه مما قد يضيع عليه صلاة الفجر ثم بعد ذلك يفتر عن قيام الليل فلا يحصل هذا ولا ذاك.
وطبعاً هذا سلوك غير صحيح فكما ذكرنا حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة "، فيجب على الإنسان أن يتدرج في الدين حتى يقوى فيه ولا يسقط أو ينكسر بسهولة.

النقطة الخامسة: الدين وسط بين طرفين:
طبعاً ما ينفعش أخلص من غير ما أميل تمييلة بسيطة كدة على الناحية التانية وهي التفريط.
كما يقول العلماء الدين وسط بين طرفين، وسط بين التفريط والإفراط
فكما أن هناك إفراط يؤدي للتشديد بدون دليل ولا برهان، فإن هناك تفريط يؤدي للوقوع فيما حرم الله وفي البدع.
فالإفراط والتشديد يؤدي إلى تحريم ما أحل الله، والتفريط يؤدي إلى تحليل ما حرم الله.
فكما أن هناك من يحرم بعض الأشياء دون دليل، فهناك على النقيض من يحلل ما حرم الله ويخالف صريح الأدلة من القرآن والسنة بل ويبتدع في الدين ما ليس منه.
والإسلام لا هذا ولا ذاك، بل الدين وسط بين ذلك، دين وسط لخير أمة أمة الوسطية بين سائر الأمم.

النقطة الأخيرة: خلاصة التدوينة:

1. الدين الإسلامي دين يسر ووسط.
2. يسر الدين في الالتزام بتعاليمه والسير على ما شرعه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم- .
3. الغلو في الدين مرفوض ولا نقول إلا بما جاء به الدليل من كتاب وسنة.
4. الإتيان بالسنة وأوامر الدين ليس تشدد ولا تزمت بل هو أصل الدين وواجب شرعي.
5. التفريط في أوامر الدين مرفوض كما يرفض الإفراط فيها.

أرجو أن أكون قد وفقت في التوينة، وأن يتقبل الله عملي ويعفو عن ما فيه من خطأ وذلل، ويفهمنا الدين السليم بدون إفراط ولا تفريط...


آآآآميييييين




4 اكتب تعليقك... فرأيك يهمني:

كلمات من نور يقول...

أقولك بصراحة إيه مشكلتنا في هذا الزمان؟ التعنت في الدين و أحكامه لدرجة وصلنا إلى إيه؟ فاكر قصة سيدنا موسى لما قال لبنو إسرائيل إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة؟ لو كانوا جابوا أي بقرة وذبحوها لكان انتهى الأمر ولكنهم تعنتوا وماطلوا و عقدوا الأمور ...في زماننا هذا الكثيرون والكثيرات أشباه بنو إسرائيل في هذا الوقت ...تقول لواحده : القدم لابد و أن تستر لأن رسول الله قال في حديثه أنه لا يظهر من المرأة سوى الوجه والكفين ..ترد تقول : إنتي شكلك حنبلية...تقول لواحد صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود كما قال رسول الله ..يقول : إيه اللي بتقولوه داه يعني امشي في الشارع بحذائي ووووووو ومين قال الكلام داه والحديث داه منين؟؟؟

يا الله لو إن بي قوة فآوى إلى ركن بعيد...ربي يكرمك ويهبك حب الله وحب عباده ..

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا أمي الغالية
فعلا التنطع في الدين بلاء كبير ناعني منه كثيرا.
ولكن الأكثر منه هو الجهل مع عدم الرغبة في التعلم ظنا منه أنه ليس في حاجة له لأنه هو العلامة وأي كلام لا يعرفه يكون خطأ.

Maha يقول...

ما شاء الله تدوينة ممتازة جدا :)

بارك الله فيك .. أحسنت القول .. في ميزان حسناتك :)

غير معرف يقول...

وفيكي بارك ربي إن شاء الله
جزاكِ الله خيراً
وشكراً على مرورك الكريم